كان أحمد شاباً يافعاً، يفيض حيوية وأملاً، يعيش في بيتٍ متواضع وسط أسرة محبة لا تدّخر جهداً في دعمه. نشأ على حلم بسيط لكنه نبيل: أن يصبح مهندساً معمارياً يترك بصمة في مدينته. كانت حياته تسير على وتيرة واعدة حتى ذلك اليوم المشؤوم الذي التقى فيه بأصدقاء لم تكن نواياهم نقية كابتسامهم.
في البداية، بدت الأمور غير ضارة. جلسات سمر تطول حتى مناصف الليل في أحد المقاهي، كلمات مترنحة عن الحياة والحرية، ونغمات موسيقى تتردد في آذانهم كأنها تدعوهم إلى عوالم موازية. لم يكن أحمد من تلك الفئة التي تجنح للانحراف، لكنه كان ضعيفاً أمام ضغوط رفاقه. وحين قدم له أحد أصدقائه نارجيلة محشوة بمخدر، تردد لبرهة. لكنه، وبسبب تلك النظرات الملغومة التي أحاطته، أذعن قائلاً لنفسه: “هي مرة واحدة فقط”.
ولكن، كما هي العادة مع المخدرات، لم تكن تلك “المرة الوحيدة”. تكرر المشهد، وازداد ارتباطه بتلك السهرات حتى أصبح أسيراً لها. تدريجياً، وجد نفسه يغرق في دوامة من الإدمان، ينتقل من نارجيلة مخدرات إلى أخرى بحثاً عن شعور زائف بالسعادة. ومع كل جرعة، كان يخسر شيئاً من ذاته: دراسته، علاقاته، وحتى احترامه لنفسه.
مرّت الأيام، وتحولت حياته إلى سلسلة من الأكاذيب والخيبات. حاول أهله انتشاله مراراً، لكن محاولاتهم كانت تصطدم بجدار عناده وتهربه من الواقع. حتى جاء ذلك اليوم الذي قلب موازين حياته.
في إحدى الليالي الباردة، وبينما كان يقود دراجته تحت تأثير المخدر، فقد السيطرة واصطدم بجدار على جانب الطريق. كان الحادث مروعاً لدرجة أنه نُقل إلى المستشفى بين الحياة والموت. عندما استعاد وعيه، وجد والدته جالسة بجانبه، وجهها شاحب وعيناها تغرقان في الدموع. همست بصوت مختنق: “كم مرة أخبرتك أنني أخشى هذا اليوم؟ يا بني، إن استمررت بهذا الطريق، ستقتل نفسك… وستقتلني معك.”
كانت كلماتها كالصفعة التي أيقظته من سباته. شعر لأول مرة منذ سنوات بثقل كل ما ارتكبه بحق نفسه وبحق من يحبونه. حينها، قرر أنه لن يواصل الانحدار أكثر.
التحق أحمد بمصحة متخصصة لعلاج الإدمان. هناك، واجه معركة مع ذاته، لكنه قاوم. خضع لجلسات علاج نفسي مكثفة، وشارك في برامج إعادة التأهيل التي ساعدته على استعادة ثقته بنفسه. ومع كل يوم يمر، كان يكتشف أنه أقوى مما ظن.
بعد ثلاثة أسابيع من العلاج، خرج أحمد من المصحة شخصاً جديداً. كان قد عاهد نفسه على أن يكون درس حياته نوراً لغيره. بدأ بالعمل مع جمعيات توعوية لتحذير الشباب من الوقوع في فخ الإدمان، وسرد قصته دون خجل كرسالة أمل بأن الخلاص ممكن. عاد إلى دراسته، وبعد سنوات من الاجتهاد، حقق حلمه بأن يصبح مهندساً معمارياً.
اليوم، يقف أحمد وسط المباني التي ساهم في تصميمها، ينظر إلى السماء، ويبتسم. يعلم أنه رغم كل السقطات، لا يزال بإمكان الإنسان أن يعيد بناء حياته، تماماً كإعادة ترميم بناء قديم.
العبرة:
الإدمان طريق مظلم، لكنه ليس نهاية المطاف. ما دامت هناك إرادة صادقة ودعم حقيقي، يمكن للإنسان أن ينتصر على أسوأ معاركه، وأن ينهض من أعماق الألم ليصنع من نفسه إنساناً أقوى وأبهى.