كانت ليلى فتاة طموحة تحمل في قلبها شغفاً لا ينطفئ بالعلم. وُلدت في قرية صغيرة، حيث كان الأمل يكبر مع كل حلم زرعته والدتها في نفسها عن مستقبل مشرق. ورغم ظروفها الصعبة، نجحت في الالتحاق بالجامعة، فكانت أول فرد في عائلتها يحظى بهذه الفرصة. انتقلت إلى المدينة لتبدأ حياة جديدة في القسم الداخلي، وهي تحمل حقيبة صغيرة وأحلاماً ثقيلة بحجم السماء.
في البداية، كانت ليلى تركز على دراستها بكل جدية، تمضي ساعات طويلة في الدراسة وتكافح من أجل تحقيق التفوق الذي وعدت به عائلتها. لكن ضغط الدراسة وساعات السهر الطويلة بدأت تأخذ منها أكثر مما تحتمل. كانت تشعر بالإرهاق والعجز عن مواصلة الأداء نفسه، وبدأ الخوف من الفشل يتسلل إلى قلبها.
في إحدى الليالي، بينما كانت تجلس في غرفة السكن، جاءت زميلتها سارة، وهي فتاة متطفلة وغريبة الأطوار وحشرية. لاحظت سارة علامات الإرهاق على وجه ليلى، فاقتربت منها وقالت: “أرى أنك تعانين من ضغط كبير. لديّ حل بسيط. هذا الدواء يساعدني على السهر والتركيز، ولن يضر إذا جربتِه مرة واحدة.”
ترددت ليلى كثيراً، لكنها في لحظة ضعف، ومع شعورها بالإحباط، أخذت الحبة ظناً منها أنها مجرد منشط بسيط. شعرت بتأثيرها فوراً فلم تعد تشعر بالنعاس. لم تدرك أن تلك اللحظة كانت بداية دوامة ستسحبها إلى ظلام لم تكن تتخيله.
مع مرور الوقت، بدأت ليلى تعتمد على تلك الحبوب لتجاوز كل يوم. ولم تكن تعرف أنها دخلت في دوامة الإدمان. عندما نفدت منها الحبوب التي حصلت عليها من زميلتها، بدأت تطلب المزيد. وهنا كان التحول. أخبرتها زميلتها أنها تعرف شخصاً يمكنه توفيرها، لكن بثمن.
تواصلت ليلى مع ذلك الشخص، الذي تبين لاحقاً أنه تاجر مخدرات. في البداية، كان يتعامل معها وكأن الأمر مجرد صفقة، لكنها سرعان ما وجدت نفسها تواجه مشكلة أكبر: لم تعد تملك المال الكافي لدفع ثمن الجرعات التي أصبحت تحتاجها بشكل متزايد وبدونها تشعر بالمرض والكآبة والإحباط لكن سعر الحبوب يرتفع في كل مرة.
بدأ التاجر يبتزها بأساليب خبيثة. في كل مرة كانت تعجز عن دفع المال، كان يوحي لها أن هناك طرقاً أخرى للسداد، ملوحاً باقتراحات خبيثة تهدد شرفها. كانت ليلى تعيش في صراع داخلي رهيب، بين حاجتها للمخدر وبين خوفها من السقوط في هاوية لا عودة منها.
في إحدى الليالي، وبينما كانت على وشك الانهيار، لاحظت زميلتها مريم حالتها المتدهورة. كانت مريم فتاة حكيمة وصديقة صادقة، فقررت أن تواجه ليلى بصراحة. بعد إلحاح كبير، انهارت ليلى بالبكاء واعترفت بكل ما حدث.
لم تتردد مريم للحظة. أخذت ليلى إلى مرشدة اجتماعية في الجامعة، التي بدورها أرشدتها إلى مصحة متخصصة لعلاج الإدمان. في المصحة، تلقت ليلى علاج لما كانت تعانيه من أعراض الانسحاب المؤلمة، لكن مع كل يوم كانت تستعيد جزءاً من ذاتها الضائعة. خضعت لجلسات علاج نفسي، حيث تعلمت كيف تواجه الضغوط دون الهروب منها، وكيف تعيد بناء ثقتها بنفسها.
بعد 17 يوما من العلاج، خرجت ليلى من المصحة شخصاً مختلفاً. عادت إلى دراستها، وعاهدت نفسها أنها لن تعود لهذا المستنقع النتن وستعمل على تحذير بقية الفتيات الأخريات حتى لا يقعن فيما وقعت فيه.
العبرة:
الطريق إلى السقوط يبدأ بخطوة واحدة خاطئة، لكن الطريق إلى الخلاص يبدأ أيضاً بخطوة شجاعة. الدعم الصادق والاعتراف بالمشكلة هما بداية النجاة، وأحياناً، كل ما نحتاجه هو يد واحدة تُمدّ إلينا في أحلك لحظاتنا.